إحداث عمالات جديدة في إقليم تارودانت: مطالب مدنية وسياسية تزداد إلحاحاً
هبة بريس- عبد اللطيف بركة
منذ أكثر من عقدين من الزمن، أصبح مطلب إحداث تقسيم إداري جديد في إقليم تارودانت، خاصة إنشاء ثلاث عمالات، من المطالب الأساسية التي ترفعها فعاليات المجتمع المدني والسياسي في المنطقة. بدأت هذه المطالب في سنة 2004 عندما اجتمعت مجموعة من الجمعيات في مدينة أولاد التايمة تحت ما يسمى “اتحاد جمعيات المدنية” وقدمت ملتمساً لإحداث عمالة بمدينة أولاد التايمة تضم حوالي 45 جماعة ترابية. وعلى الرغم من مرور السنوات وتكرار الطلبات، بقيت المدينة دون استجابة من قبل الجهات المعنية.
ومع مرور الوقت، تجددت هذه المطالب خاصة مع اللقاءات التي جمعت عددًا من البرلمانيين ومستشاري الإقليم مع وزير الداخلية في أكثر من مناسبة. وارتكزت هذه المطالب على العديد من العوامل الموضوعية التي تجعل من أولاد التايمة، من حيث الموقع والمساحة والكثافة السكانية، مؤهلة لأن تصبح عمالة مستقلة. لكن الوضع استمر على حاله، حيث لم يتغير تقسيم إقليم تارودانت رغم صدور قرارات بتقسيم إداري لعدد من الأقاليم.
ومع بداية السنة الجارية، أثير مجددًا هذا الموضوع بعد أن قدمت فعاليات مدنية من منطقة تالوين شمال مدينة تارودانت ملتمسًا بإحداث عمالة بتالوين. وتتمثل أهمية هذا الطلب في أن منطقة سوس العليا التي يشملها إقليم تارودانت تعتبر واحدة من أكبر الأقاليم مساحة في المملكة المغربية، حيث تفوق مساحته مساحة دولة لبنان، ويضم نحو 89 جماعة ترابية، ما يجعله الإقليم الأكثر كثافة جغرافياً في جهة سوس ماسة.
مطلب “منتدى سوس العليا”: إقليم جديد بتالوين
في هذا السياق، بدأت فعاليات مدنية في إقليم تارودانت اتخاذ خطوات عملية للضغط على الجهات المعنية، ومن بينها “منتدى سوس العليا”، الذي يطالب بإحداث إقليم جديد بمركز تالوين. وقد قدم المنتدى ملتمسًا رسميًا إلى الديوان الملكي، مستندًا إلى توقيعات أكثر من 22 ألف مواطن من ساكنة المنطقة، مؤكدًا على ضرورة الاستجابة لهذا المطلب الملح بما يتماشى مع التوجهات الاستراتيجية للمملكة التي تدعو إلى تعزيز خيار اللامركزية والإدارة المحلية.
كما تم توجيه نفس الملتمس إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وذلك لإطلاعه على الأهمية البالغة لهذا الملف بالنسبة لسكان سوس العليا، الذين يعانون من التهميش الإداري بسبب البُعد الكبير بين مناطقهم وبين مركز إقليم تارودانت، مما يعرقل مصالحهم ويزيد من صعوبة الحصول على الخدمات الحكومية الأساسية.
وفي هذا السياق، لم تقتصر المطالب على الجهات السياسية فقط، بل امتدت أيضًا إلى الهيئات المدنية التي أكدت أن إحداث إقليم جديد بتالوين يعد بمثابة الحل الأمثل لمجموعة من الإشكاليات التنموية والإدارية التي يعاني منها الإقليم الحالي.
التحديات: إقليم ضخم وموارد محدودة
من أبرز النقاط التي تثير قلق فعاليات المجتمع المدني هي الصعوبة التي يواجهها إقليم تارودانت في إدارة موارده المالية والإدارية نظرًا لمساحته الكبيرة وعدد الجماعات الترابية الكبيرة التي يضمها. على الرغم من أن الإقليم يعد من الأقاليم الكبرى في المملكة، إلا أن إدارة هذا العدد الكبير من الجماعات يعتبر تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل محدودية الموارد.
تشير العديد من التقارير إلى أن إقليم تارودانت لا يستطيع توفير التنمية المتوازنة بين مناطقه بسبب تركز الكثير من خدماته في المدن الرئيسية مثل تارودانت وأولاد التايمة، مما يجعل القرى والمناطق النائية تعاني من قلة الخدمات الحكومية الأساسية. وبدلاً من التوزيع العادل للموارد، يظل الإقليم يعاني من خلل في توزيع هذه الموارد بين مختلف الجماعات الترابية، ما يساهم في تعميق الفوارق التنموية بين المناطق.
وتؤكد الفعاليات المدنية أن هذا الوضع له آثار سلبية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، ويعوق بشكل كبير عملية الاستفادة من العديد من الفرص التنموية التي يمكن أن تتحقق في حال كانت هذه المناطق تتمتع بمركز إداري مستقل.
المجتمع المدني والمنتخبين في نفس المطلب
من أهم ما يعزز مطالب إحداث إقليم جديد في سوس العليا هو التأييد الشعبي الواسع الذي تحظى به هذه المطالب. فقد أظهرت اللوائح التي جمعت توقيعات أزيد من 22 ألف مواطن حجم الدعم الكبير لهذا المطلب، وهو ما يعكس تضافر الجهود الشعبية والمدنية في الضغط من أجل تحقيق هذا الهدف. ليس فقط من جانب السكان المحليين، بل أيضًا من الجالية المغربية في الخارج التي تعبر عن تأييدها الواسع لهذا التوجه، نظراً لما يعكسه من أهمية كبيرة في تسهيل الحصول على الخدمات الإدارية وتنمية المنطقة بشكل عام.
وقد دعت الهيئات المدنية في المنطقة إلى ضرورة اتخاذ قرار عاجل بشأن هذا الملف، مشيرة إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في إقليم تارودانت. وفي حال تم إحداث الإقليم الجديد، فإن ذلك سيعزز من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويقلل من التفاوتات القائمة بين المناطق المختلفة في الإقليم.
إن إحداث تقسيم إداري جديد بإقليم تارودانت، من خلال إنشاء عمالات جديدة في مناطق مثل أولاد التايمة وتالوين، يعتبر مطلبًا جماهيريًا مشروعًا. هو مطلب يعكس رغبة ساكنة المنطقة في تحسين ظروفهم المعيشية والإدارية، ويهدف إلى تعزيز التنمية المحلية، وتسهيل الوصول إلى الخدمات الحكومية. إن هذا المطلب يتماشى مع التوجهات العامة للدولة المغربية التي تدعو إلى تعزيز اللامركزية، ويعكس الوعي المتزايد بضرورة تحسين تدبير الموارد وتوفير فرص تنموية عادلة لجميع المناطق، مما يجعل من هذا الملف قضية ذات أولوية يجب أن تحظى باهتمام السلطات المعنية في أقرب وقت